خارطة تضامن مجموعات الشتات السوري في أوروبا: الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، السويد، سويسرا والمملكة المتحدة

© Jwan Khalaf
© جوان خلف

دراسة الخلفية والأهداف

تمّ إجراء هذا البحث بتكليف من برنامج الشتات التابع للمجلس الدنماركي للاجئين (DRC) كجزء من مشروع مع مبادرة "منصّة الحلول الدائمة (DSP)" المشتركة بين المجلس الدنماركي للاجئين ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC) والمجلس النرويجي للاجئين (NRC).

ويهدف البحث إلى استكشاف كيفية تعبئة الشتات السوري في ستة بلدان أوروبية مُضيفة هي الدنمارك وفرنسا وألمانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة. ويركّز على الإطار التنظيمي والروابط والممارسات العابرة للقوميّة لمجموعات الشتات السوري، مع الأخذ بالاعتبار الديناميات الداخلية وخطوط الصراع المحتملة، بالإضافة إلى العوامل السياقية في بلد المنشأ والبلد المُضيف. ويسعى البحث إلى توفير أساس لمزيد من الانخراط مع المجموعة الأكثر مُلاءمة من السوريين (سواء أكانوا منظّمات أم أفراداً) على امتداد القارّة الأوروبية لإجراء مشاورات حول سيناريوهات الحلّ المستقبلية للاجئين السوريين، وكذلك لتمكين برنامج الشتات التابع للمجلس الدنماركي للاجئين عبر تطوير أنشطة تستهدف بشكل خاصّ الشتات السوري الذي يتطلّع إلى إعادة الإعمار والتنمية في سوريا.

 

نتائج رئيسية

يعكس السوريون في أوروبا عموماً الوضع في سوريا إلى حدٍّ ما، وبات تمايزهم أكثر وضوحاً بعد عام 2011، سياسياً واقتصادياً وإثنياً. ويمكن النظر إلى الثورة السورية في عام 2011 باعتبارها حدثاً مفصليّاً دفع بالسوريين المُقيمين في الخارج إلى الانخراط في العمل السياسي، الأمر الذي أطلق العمل الجماعي من أجل المساهمة في التحوّلات الاجتماعية والسياسية التي تمرّ بها البلاد. إلى جانب ذلك، أدّى تصاعد الصراع وتزايد أعداد السوريين الذين يبحثون عن الحماية في أوروبا إلى مزيد من جهود التعبئة لدى سوريي الشتات الذين يسعون إلى تخفيف معاناة الشعب السوري في الداخل والخارج. وفي حين يمكن النظر إلى الثورة بوصفها عاملاً مُوحِّداً؛ فإن ارتفاع حدّة الصراع، مع بروز الطائفية والإثنية وزيادة التطرّف على الأرض في سوريا؛ يُؤثِّر أيضاً على أنماط تعبئة الشتات في أوروبا.

ويبدو جليّاً، في جميع البلدان المُمَثَّلة في هذا البحث، أن التوتّرات ذاتها (السياسية أو العرقية أو الدينية) التي أدّت إلى تصعيد الصراع وإدامته، تعود إلى الظهور في الشتات السوري في أوروبا. غير أن النتائج تُظهِر، في الوقت عينه، أنّ الدول المُضيفة يمكن أن تُوفّر مساحة آمنة ومُحايدة للتقارب والتأمّل والحوار بين مجموعة مُتنوِّعة من الجهات الفاعلة في الشتات السوري، مع تسليط الضوء على الدور المُحتمل للمغتربين كعوامل للتغيير والسلام.

تُظهِر طموحات المُغترِب السوري ودوافعه المُفصَّلة في هذا البحث أن ثمّة رغبة قويّة في المساهمة بإحلال السلام وإعادة الإعمار في البلاد والتزاماً بذلك. وتشير النتائج عموماً إلى وجود رغبة قوية في العودة إلى سوريا، وبخاصة بين أولئك الذين هاجروا إلى أوروبا مُؤخَّراً. بيد أنه في هذه المرحلة من الصراع، وبسبب وجود مستويات عالية من عدم الاستقرار وانعدام الأمن وغياب الحريّات الأساسية وحقوق الإنسان وعدم وجود بنية تحتية تدعم الحياة الكريمة؛ فإنّ العودة على نطاق واسع وإعادة الاندماج المُستَدَام لا يُعتبران خياراً قابلاً للتطبيق. لذلك، ينبغي تعزيز فرص التكامل وتشجيع المجتمعات التي تشمل الجميع لاحتواء من يبحثون عن الحماية في أوروبا. وقد ركّز الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم على أهميّة توفّر دورات اللغة والتعليم والوصول إلى سوق العمل كعوامل أساسية في هذا الصدد. ولا ينبغي، بعد ذلك، إغفال أن الهجرة الحالية تحقّق بدورها فوائد للمجتمعات المُضيفة إذا نجحت جهود الاندماج.

وفيما يتعلق بالقدرات التنظيمية، يتميّز مشهد منظّمات الجاليات السورية في البلدان الستة المختارة بالتنوّع الكبير. وقد بدأت غالبية المنظمات بالعمل بشكل غير احترافي ولكنها حاولت بعد ذلك إضفاء الطابع المهني على جهودها ومنحها الطابع المؤسّسي. ومن اللافت للانتباه بشكل خاصّ أن بعض المنظّمات في المملكة المتّحدة وبدرجة أقلّ في ألمانيا وفرنسا قد أتقنت السير نحو المهنية، وغدت اليوم لاعباً أساسياً في مجال الاستجابة الإنسانية في سوريا.

وفي مجال التعاون، تسعى مجموعات الشتات السوري في البلدان المُضيفة مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا والدنمارك في الآونة الأخيرة إلى إيجاد أشكال جديدة من التعاون من خلال إنشاء منظّمات شاملة. ويسعى الشتات من خلال ذلك إلى تجميع الموارد والاستجابة بشكل أكثر فعّالية لمختلف جوانب الصراع. وتطوّرت شبكات أخرى تدور حول مهن أو مجالات مشاركة معيّنة، وغالباً ما تكون ذات طبيعة عابرة للقوميات، وتشمل أعضاء منتشرين في جميع أنحاء العالم.

وعلى امتداد السنوات الماضية، أبدت مجموعات الشتات السوري في جميع أنحاء أوروبا التزاماً قوياً بالتخفيف من معاناة الشعب السوري، وبناء أساس قويّ للتغيير الاجتماعي والتحوّل السياسي وتلبية احتياجات القادمين الجدد من سوريا في الدول المُضيفة. ونستطيع هنا أن نلحظ أنماطاً مختلفة عند مقارنة البلدان المختارة لهذا البحث. فعلى سبيل المثال، تميل مجموعات الشتات السوري في السويد والدنمارك إلى التركيز على الأنشطة المتعلِّقة بالاندماج في البلد المُضيف، بينما تُركِّز المنظّمات في سويسرا بشكل رئيسي على السياق السوري. وفي الوقت الذي يلعب فيه الترويج للاندماج دوراً في ألمانيا والمملكة المتحدّة وفرنسا؛ فإن منظّمات الشتات السوري هناك تشارك أيضاً في السياق السوري على قدم المساواة، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية إلى أولئك الذين يعانون من الصراع، وتنفيذ مبادرات التنمية التي تعزّز الاعتماد على الذات. وتشير النتائج إلى أن العديد من العوامل الخاصّة بالبلد المُضيف، مثل الإطار المؤسّسي وآليات التمويل وسياسات اللجوء والتكامل، بالإضافة إلى تاريخ السكان المهاجرين وتركيبتهم، قد تؤثِّر على حجم الشتات السوري وشكله وتركيزه.

تلعب مجموعات الشتات السوري، باعتبارها بنىً اجتماعية عابرة للقومية، دوراً مهمّاً في بناء الجسور بين البلدان الأصلية والبلدان المُضيفة. إلى ذلك فإنّ المشاركة العابرة للقوميّة تسهم في نموّ شبكة المؤسّسات والأفراد الذين يعملون في بيئات تعاني من الصراع أو مرحلة ما بعد الصراع. ونظراً لمعرفتها الوثيقة بسوريا ومقدرتها على الوصول إلى شبكات اجتماعية متنوِّعة بحجم أقلّ من المخاطر ؛ فإن مجموعات الشتات السوري قادرة على العمل في المناطق التي لا يكون فيها المجتمع الدولي قادراً أو راغباً في ذلك.

في البلد المُضيف، تعمل منظّمات الشتات السوري كنقطة اتصال موثوق بها للوافدين الجدد وتسهّل تأهيلهم الأولي في "الوطن" الجديد. وعلاوة على ذلك، فإنّ العديد من المنظّمات لديها رغبة قويّة في الاحتراف، لكنها تواجه أيضاً العديد من التحدّيات التي تمنعها من تحقيق إمكاناتها بالكامل.

وبينما تتفاوت الفرص السياسية من بلد إلى آخر، فإنّ أحد التحديات الرئيسية التي كثيراً ما تمّ ذكرها في مختلف البلدان المشمولة بالبحث كان الافتقار إلى االملاءة المالية، ما جعل من الصعب على المنظّمات أن توسّع نطاق أنشطتها وتنفِّذ خطط عمل طويلة الأجل.

كما تواجه بعض المنظّمات تحدياً كبيراً في خسارة رأس المال البشري. إن حقيقة أنه لا توجد بوادر نهاية للصراع السوري تسبّب اليأس والإحباط والخيبة، الأمر الذي يثبّط من عزم كثير من السوريين على اتخاذ مزيد من الخطوات، لأنهم ينظرون إلى أن مصير بلادهم لم يعد في أيدي السوريين أنفسهم. وتتفاقم الصعوبة في تعبئة السوريين من أجل عمل جماعي بفعل انعدام الثقة والتفرّق اللذين ما برحا يميزان العلاقات بين السوريين في الخارج.

إنّ وضع الصراع المعقّد والمصحوب بالعديد من المعارك الإقليمية والأعداد الكبيرة من العناصر المسلحة، يشكّل تحدياً أمام تحقيق أنشطة الشتات في سوريا. وعلاوة على ذلك، يُنظر إلى الخطاب السياسي العامّ حول الصراع السوري، والذي يركّز بشكل شبه حصري على التهديدات الأمنية والإرهاب، على أنه تحدٍ كبير أمام حشد الدعم من جانب الجمهور العامّ. وتزيد اللوائح التنظيمية لمكافحة الإرهاب وإجراءات "عدم المخاطرة" من تعقيد الوصول إلى الموارد المالية وإدارتها.

توصيات

تتطلّب المشاركة المُستدامة والمُراعية للصراعات والشتات مع المغتربين أن تضمن المنظّمات الدولية والمنظّمات غير الحكومية والحكومات المهتمّة بهذه المشاركة أن تكون الجهود طويلة الأجل بدلاً من أن تكون مُختصّة بأمرٍ عابرٍ وأن تدعم تطوير علاقة موثوقة ودائمة. علاوة على ذلك، فقد تمّ تحديد التوصيات الآتية:

  1. تعزيز جهود الشتات السوري من خلال تعزيز الشبكات داخل كلّ بلد مُضيف وفي المجال العابر للحدود، حيث يتيح ذلك التعلّم بين الأقران، ويسهّل الحوار بين المنظّمات المختلفة ويقوّي جهود المُناصَرة من خلال تشكيل صوتجماعي.
  2. إشراك السوريين في الشتات في عمليات صنع القرار، من خلال إشراك المغتربين السوريين في المفاوضات السياسية ومحادثات السلام وتصميم السياسات الخارجية.
  3. تأمين مصادر تمويل لمؤسّسات الشتات، لتسهيل الوصول إلى الموارد المالية وإدارتها.
  4. دعم قدرة منظّمات الشتات على تطوير المشروعات وإدارتها، وجمع التبرّعات والتعاون مع بعضها البعض، من خلال توفير ورش عمل وفرص التعلّم بين الأقران.
  5. دعم جهود المناصرة التي يقوم بها الشتات السوري من خلال تسهيل التشبيك والاتصالات مع المجتمع الدولي وتطوير أوراق المناصرة التي تقدّم توصيات الشتات في الموضوعات الرئيسية (مثل الاندماج في المجتمعات المُضيفة، والعودة الطوعية، وحلّ الصراعات، وما إلى ذلك).

 

توصيات مُحدّدة من أجل إيجاد حلول دائمة للنزوح السوري

  1. دفع الجهود التي يبذلها الشتات السوري لتعزيز البنى المحلّية من خلال توفير التمويل لمبادرات الشتات ذات التوجّه الإنمائي التي يتمّ تنفيذها في السياق السوري.
  2. دعم تنمية القدرات البشرية للسوريين المقيمين في الدول المضيفة لبناء أساس قوي لعملية إعادة الإعمار ولتيسير إعادة الاندماج عند العودة المُحتملة.
  3. تشجيع تغيير الخطاب المتعلّق بالاندماج، حيث يُفهَم الاندماج أساساً في إطار الاستيعاب والحقّ في البقاء، ويتمّ الترويج لفرص الاندماج والثقافة الترحيبية لمن يبحثون عن الحماية في أوروبا.
  4. توفير الدعم المُستهدَف للقادمين الجدد، حيث تتم معالجة الاحتياجات المُحدّدة للمجموعة مثل الضيق النفسي والصدمة.
  5. إشراك المغتربين السوريين في تصميم سياسات الاندماج وتنفيذها، حيث يمكن للاختصاصات الثقافية واللغوية لأعضاء الشتات السوري أن تساعد في بناء جسر بين احتياجات القادمين الجدد السوريين والدعم الذي تقدّمه الحكومات المعنية وممثلي المجتمع المدني.

 

تعبئة الشتات في الدول المُضيفة المشمولة بالبحث

  • ألمانيا

يتميّز المهاجرون السوريون في ألمانيا بتفاوت كبير في الدين والعرق والخصائص الاجتماعية والاقتصادية ومسارات النزوح. لقد كانت أنماط الهجرة السورية متعدّدة، فمنها ما جاء بسبب الصراع ومنها ما كان لأسباب أخرى أكثر طواعية في طبيعتها مثل العمل والدراسة ولمّ شمل الأسر. ولا شكّ أنّ الصراع العنيف الذي دمّر البلاد منذ عام 2011 قد أدّى إلى المرحلة الثانية، حيث أصبحت ألمانيا الوجهة الرئيسية للنازحين السوريين في أوروبا. وفي حين يقول العديد ممن استُقصيت آراؤهم إن المهاجرين السوريين في فترة ما قبل الصراع يميلون إلى أن يكونوا من ذوي المهارات العليا أو المتوسّطة؛ فإن السوريين النازحين حديثاً في ألمانيا هم من ذوي الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية العالية والمنخفضة على حدّ سواء.

يُظهر الشتات السوري في ألمانيا رغبة قويّة والتزاماً كبيراً بمعالجة مختلف جوانب الصراع السوري، في سوريا والبلدان المجاورة وألمانيا على حدّ سواء. وتستطيع منظّمات الشتات الوصول إلى المناطق التي يتعذّر الوصول إليها من الجهات الفاعلة الأخرى بسبب شبكاتها الواسعة في المجتمعات المحلّية، وبالتالي فهي غالباً ما تكون قادرة على مساعدة أولئك الأشخاص الأكثر تأثّراً بالصراع. ولكن في الوقت عينه، تواجه منظّمات الشتات السوري في ألمانيا العديد من التحدّيات التي تحدّ من قدرتها على المساهمة في السلام والمصالحة وإعادة البناء. وتشمل هذه التحديات الوضع الأمني ​​المُدمِّر في سوريا وعجز المجتمع الدولي عن إيجاد حلٍّ سياسي للصراع ونقص القدرات نتيجة للبنية التحتية المحدودة فضلاً عن الموارد البشرية والمالية النادرة ونقص المعلومات حول فرص التمويل، بالإضافة إلى الأعباء البيروقراطية المرتفعة المرتبطة بتطبيقات الصناديق وإدارتها.

ومع ذلك فقد ظهر، على مدى السنوات الماضية، مجتمع مدني سوري نابض بالحياة في ألمانيا، يتميّز بتنوّع كبير فيما يتعلّق بالتطلّعات والرؤى والقدرات ومجالات المشاركة. وقد تناوبت على مسار تعبئة الشتات السوري فترتان، كانت الرؤى في الأولى بينهما مُوحَّدة فيما يتعلّق بالثورة السورية، بينما تميّزت الفترة الثانية بالتشرذم بسبب تصاعد الصراع السوري. وبينما بدأت العديد من المنظّمات في التخفيف من معاناة أولئك الأشخاص الأكثر تضرّراً في الصراع؛ فإنّ الأنشطة في سوريا تتّجه الآن نحو مزيدٍ من الجهود المُوجَّهة نحو التنمية من خلال توفير الرعاية الصحية والتعليم وتعزيز تماسك المجتمع وتمكين المرأة. وفي الآونة الأخيرة، تُركِّز العديد من المبادرات على تعزيز الاندماج من خلال مساعدة النازحين السوريين في عملية اندماجهم وتعزيز الحوار بين الثقافات والتفاهم المتبادل بين السكّان النازحين السوريين والمجتمع الألماني الأوسع.

2- فرنسا

يتّسم المُهجَّرون السوريون في فرنسا بالتباين والاختلاف، حيث أن جميع الطبقات الاجتماعية والديانات والطوائف والأجيال (الأكبر سناً والقادمين الجدد) والأعراق المتعدّدة ممثَّلة في الشتات السوري في فرنسا. وكما هو الوضع في سوريا، فقد لا نكون قادرين على تطبيق المعايير ذاتها على جميع الفئات بالتساوي، مما يؤكّد على أهميّة مراعاة الاختلافات بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية.

وفي ضوء قمع النظام، أكّد العديد من المُستجيبين الذين استُطلِعت آراؤهم أن السوريين في الخارج كانوا خائفين من الحديث والتنظيم السياسي قبل اندلاع الثورة. وأدّت التحوّلات الاجتماعية والسياسية التي أطلقتها الثورة السورية في عام 2011 إلى تنشيط السوريين في فرنسا للمشاركة بشكل جماعي في تشكيل مستقبل البلد الأمّ. ومع ذلك، فإن الصراع جلب معه اتجاهي التوحيد والتجزئة. فقد بُذِلت في البداية جهود مُشترَكة لتعزيز شبكات الشتات السوري للعمل سويّاً نحو التغيير السياسي في سوريا، بيد أن العلاقات بين أعضاء الشتات المؤيدين والمناهضين للنظام قليلة جدّاً إن لم تكن معدومة، ما يؤكّد على أن ثمّة قطيعة حقيقية بين الطرفين. ويوجد بضع جمعيّات في الشتات توافق على التعاون مع النظام لتحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار ووحدة البلاد.

ومن بين أكثر التحدّيات التي ذُكِرت كان نقص التمويل المُتاح، ما أعاق قدرة المنظّمات على تقديم المساعدات الكافية للسوريين بكفاءة، وخاصة في سوريا. ومن بينها عدم وجود شركاء موثوقين يمكن الركون إليهم وفقدان الشركاء المُستهدَفين من قبل مختلف أطراف الصراع وغياب الحافز وانخفاض المشاركة في الجمعيّات.

يمكن وصف الشتات السوري في فرنسا بأنه يقوم على الاستجابة للحاجات، بمعنى أنه يسعى إلى تلبية متطلّبات اللحظة الراهنة فحسب. ولا ترفع جماعات الشتات في فرنسا مستوى الوعي حول الوضع في سوريا فقط وتدعو إلى حلّ سلميّ للصراع فحسب؛ ولكنا تعمل أيضاً على توفير المساعدات الإنسانية لأولئك الذين يعانون من عواقب الصراع ومساعدة القادمين الجدد على الاستقرار في المجتمع الفرنسي.

ويبقى من المهم مواصلة الجهود من أجل إحضار العديد من أصحاب المصلحة للجلوس على طاولة واحدة ومحاولة البدء بحوار وتعزيز محاولات التعاون. ويُعدّ التجمّع السوري للتنمية والإغاثة (CODSSY) مثالاً جيداً لنظام العمل لتجميع الجهود سعياً لتحقيق أهداف مُماثِلة ويجب مساعدتها في تحقيق أهدافها.

وعلى الرغم من التطلّعات السياسية المُتباينة التي تميّز الشتات السوري في فرنسا؛ يبقى ثّمة أمل في أن يعمل هؤلاء الأشخاص سوية. ومع الوقت والجهد، يجب أن تستقر الأمور في مكانها الصحيح ويجب أن تُنجَزَ المزيد من الشراكات. وقد أثبتت المشاريع والمبادرات الحالية أنها قد تؤدي إلى تحقيق إنجازات إيجابية بالفعل.

3- المملكة المتّحدة

أدّت عدة موجات من الهجرة السورية إلى المملكة المتحدة، إلى ظهور مجموعة من المهاجرين السوريين المتنوِّعين جداً، حيث يواجه المهاجرون الآن ظروفاً وأوضاعاً اجتماعية واقتصادية وسياسية مختلفة في البلد المُضيف. علاوة على ذلك، يعكس المهاجرون السوريون في المملكة المتّحدة التنوّع الديني والعرقي الغنيّ للمجتمع السوري. وبالمثل، في سياقات أخرى، كانت تعبئة الشتات على أساس الهويّة السورية الجماعية غائبة تقريباً قبل الصراع، فالسوريون في المملكة المتّحدة نوعان: إمّا أنهم لم يكونوا مشاركين بشكل جماعي على الإطلاق، أو أنهم عرّفوا عن أنفسهم بهوية قومية أو دينية أوسع مثل الأكراد أو الآشوريين أو المجتمعات الإسلامية.

ولم يمنع قمع النظام التعبئة السياسية الرئيسيّة للشتات السوري، ولكنه خلق، إلى ذلك، عدم انسجام بين السوريين في المملكة المتّحدة. إن انعدام الثقة بين السوريين بوجه عام، إلى جانب التضامن المفتّت بين السوريين في المملكة المتحدة قد حدّ من القدرة على توليد هوية وطنية جامعة والمحافظة عليها. ويمكن اعتبار فقدان الثقة هذا عقبة رئيسية في وجه تعبئة الشتات.

في البداية، كانت الثورة السورية عاملاً مُوحِّداً ما ساعد على بروز العمل الجماعي بين السوريين في المملكة المتحدة. ولكن مع تزايد التصعيد والانقسام الإثني والطائفي والتطرّف، تم استنساخ ديناميات الصراع السوري في الشتات، ما أدى إلى التشرذم على أسس عرقية أو دينية أو سياسية. وفي الآونة الأخيرة، كان ثمّة رغبة قوية في المزيد من التعاون، حيث يرى العديد من السوريين أنه لا يمكن تحقيق حلّ للصراع وإيجاد صوت قوي للمغتربين إلا من خلال شبكة قويّة متماسكة ومُوحَّدة.

إنّ المشهد التنظيمي للشتات السوري يمتاز بالتنوّع الكبير، ويبدو أن مجموعات الشتات السوري تستجيب لمختلف جوانب الصراع السوري من خلال مشاركتها في سوريا عبر توفير المساعدات الإنسانية وتنفيذ المزيد من المشاريع ذات التوجّه التنموي، ومشاركتها كذلك في المملكة المتّحدة، حيث تُشجِّع على اندماج السوريين الجدد ورفع الوعي بطبيعة الصراع السوري. ولبعض المنظّمات العاملة في مجال المساعدات الإنسانية سمعة جيدة بين المبادرات العفوية وغير الرسمية والجهات الفاعلة الرئيسية في المنظومة الإنسانية السورية. وبالمقابل، ثمة منظّمات أخرى حديثة العهد تلبّي احتياجات السوريين الجدد في المملكة المتّحدة وتكافح للحصول على الدعم المالي وتحقيق الاستدامة وإضفاء الطابع المؤسسي على عملها.

 

يمكن النظر إلى التجزّؤ بسبب الأفكار المتضاربة وعدم الثقة المستمرّة بين السوريين في المملكة المتّحدة على أنهما عائق رئيسي أمام تعبئة الشتات. فمن ناحية، يؤدّي ضعف الصوت المُوحَّد إلى إضعاف وضع الشتات السوري في الساحة السياسية الدولية، ويُقلّل من إمكانية المُساهمة في الحلّ السياسي للصراع. ومن ناحية ثانية، سيعمل التشبيك والتعاون أيضاً على زيادة قدرة المنظّمات والمبادرات وتمكينها من الاستجابة بشكل أكثر فعالية لجوانب متنوِّعة من الصراع.

4- السويد

على الرغم من أن الجالية السورية في السويد قديمة؛ فإنه ليس من السهل النظر إليها كمجموعة مُوحَّدة ومتجانسة، ومَردُّ ذلك إلى الانقسامات العرقية والقومية والطائفية الطويلة الأمد. وخلال العقود الأربعة الماضية، بنى العديد من السوريين مجتمعاتهم المحلية التي نُظِّمت على أسس عرقية أو دينية أو سياسية، وهي لا تمثِّل السوريين فحسب بل يمكن أن تضمّ كذلك أعضاء من أصول أخرى. ولم يشذَّ عن ذلك سوى عدد قليل فقط من الجمعيات التي حاولت أن تكون شاملة وتشجّع الهوية السورية باعتبارها هويّة جامعة لكلّ السوريين بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو الإثنية. ومع تزايد عدد اللاجئين السوريين، ازداد عدد الجالية السورية في السويد زيادة كبيرة، ولكن الخطوط العرقية والسياسية التي تقسم السوريين بقيت موجودة بين أعضائها.

ينزع التقسيم العرقي والاستقطاب السياسي كلاهما إلى إعادة إنتاج نفسيهما على المستوى التنظيمي. ويمكن للمرء أن يرى أن لكلّ جماعة سورية جمعيّاتها وتنظيمها الخاص. وبدورهم قام القادمون الجدد الذين يدعمون الثورة السورية بتأسيس جمعيّاتهم، إذ يعتقد الكثير منهم أن الجمعيّات السورية القائمة مؤيّدة أو متعاطفة مع نظام الأسد.

وبالفعل، فإن مشاركة الشتات السوري فيما يتعلق بتشجيع الاندماج في السويد أو مع سوريا نادرة نسبياً مقارنة بعدد السوريين هناك ومدى رسوخ بعض الجمعيّات وقدمها. ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب، مثل الانغلاق المُتعمَّد لمجتمعات المهاجرين السوريين قبل الصراع، والطبيعة الاجتماعية والثقافية لمعظم الجمعيّات القديمة، ناهيك عن الاستقطاب السياسيّ الناتج عن ديناميكيات الصراع في سوريا. وقد أثّر ذلك بشكل كبير على العمل بين معظم الجمعيّات القديمة والجديدة على حدٍّ سواء وفي داخل كلٍّ منها.

وبعد سبع سنوات من الصراع، اقتصرت معظم ممارسات الشتات السوري في السويد وأنشطته، إلى حد كبير، على النشاطات ذات الطابع الثقافي والاجتماعي. ومع ذلك، ترغب بعض الجمعيّات في توسيع نطاق أنشطتها ليس فقط في السويد، وإنما في السياق السوري أيضاً. وثمة في هذا المجال إمكانات هائلة لتطوير الشتات السوري، إذا ما قام ذلك على أساس متبادل من العمل والتعاون المشترك. ويُعبِّر بعض المُستجيبين عن رغبتهم في معالجة التشرذم داخل الشتات السوري من خلال مشاريع تعزّز منهجاً يشمل الجميع وحواراً بين السوريين. لذلك، يمكن لمنصّة تربط بين مختلف الجهات الفاعلة داخل الشتات السوري أن تكون خطوة أولى نحو إعادة بناء الثقة بين الجمعيّات ودعم الاتصالات والتعاون على المدى الطويل.

5- الدنمارك

على عكس السويد، تُعتبر الهجرة السورية إلى الدنمارك حديثة وصغيرة نسبياً، وبسبب سياسة التوزيع الصارمة التي تتّبعها حكومة الدنمارك، ينتشر السوريون في جميع أنحاء البلاد. ويأتي فوق ذلك الانقسام العرقي طويل الأمد (وخاصة بين العرب والكرد) والاستقطاب السياسي فيما يتعلق بالصراع السوري ليمنع السوريين في الدنمارك من تشكيل مجموعة مُوحَّدة ومتجانسة. والحال أن السوريين يعكسون بالأحرى ديناميات الصراع السوري عامّة، ويمكن أن نلحظ هذه الانقسامات داخل الشتات السوري المُنظَّم في الدنمارك أيضاً. وقليلة هي المُنظّمات التي تسعى لأن تكون شاملة وتعزز الهويّة السورية باعتبارها هوية جامعة للسوريين كافّة بغض النظر عن العرق أو الدين أو الرأي السياسي.

ولو ألقينا نظرة على المشهد التنظيمي، لوجدنا أن الجمعيات السورية في الدنمارك لا تزال في مرحلة البحث عن نفسها وتنظيم شؤونها. وقد تمّ إنشاء أولى جمعيّات الشتات السوري في الدنمارك بين عامي 2011 و2012، وكان لديها، إذا نظرنا إلى تطلُّعاتها ودوافعها، أهداف سياسية أو إنسانية أكثر، وكانت مجالات مشاركتها مرتبطة بالصراع في سوريا، مثل المناصرة ورفع الوعي بالإضافة إلى مساعدات الإغاثة.

من ناحية أخرى، تركّز الجمعيّات المُؤسَّسة حديثاً، ومعظمها من قِبل الوافدين الجُدد، بشكل أكبر على قضايا الثقافة والاندماج، وهو ما يُلبّي احتياجات السوريين ومطالبهم في الدنمارك. ومع ذلك، فإنّ معظم هذه الجمعيّات تتألف من مجموعات متجانسة (عربية سورية أو كردية سورية بشكل أساسيّ)، دون وجود أعضاء دنماركيين. ويثير ذلك التساؤل عمّا إذا كان هذا النوع من الارتباطات سيساعد عمليّة التكامل على المدى الطويل ويعزِّزها أم لا؟ ولا يمتلك سوى القليل من هذه الجمعيّات نهجاً شاملاً في هذا الصدد.

وعلى الرغم من العديد من التحدّيات التي يتعلّق بعضها بالسوريين أنفسهم ويرتبط بعضها الآخر بالوضع الصعب في الدنمارك؛ فقد بذلت جمعيّات الشتات السورية جهوداً كبيرة في فترة قصيرة، رغم أن معظمها يعمل على أساس تطوّعي. وتُعبِّر العديد من المنظّمات عن رغبتها في المزيد من الاحتراف والمأسسة من أجل توسيع نطاق أنشطتها والاستجابة بشكل أكثر فعّالية لمختلف جوانب الصراع السوري، سواء في سياق الدنمارك أو سوريا. وهنا تكمن إمكانات هائلة لتطوير الشتات السوري إذا حصلت الجمعيّات على التمويل والدعم اللازمين، مثل برامج بناء القدرات والتشبيك والتعاون.

6- سويسرا

سوريا بلد متعدد الأعراق والأديان، وقد انعكس هذا التعدّد في الشتات السوري في الخارج. وإجمالاً، يعكس السوريون في سويسرا، إلى حدّ ما، الوضع في سوريا، وأصبح تباينهم أكثر وضوحاً بعد عام 2011، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والإثنية، وعوامل أخرى.

وفي الوقت الذي دفع الصراع السوريين في العالم إلى الانخراط بشكل جماعي في القضية السورية؛ فإن نسبة منظّمات المجتمع المدني السورية في سويسرا أصغر بالمقارنة مع الدول الأخرى المشمولة في هذا البحث. وبما أن السوريين الواصلين حديثاً يشكلون أكبر حصّة من المهاجرين السوريين في سويسرا، فإنهم يفتقرون على الأرجح إلى القدرة، مثل المهارات اللغوية، بالإضافة إلى الأمان المالي والشخصي والسياسي لكي ينشطوا بشكل جماعي.

وعلاوة على ذلك، تميل المنظّمات السورية في سويسرا إلى تركيز مشاركتها على السياق السوري، مع اتّخاذ تدابير تتراوح بين تقديم المساعدات إلى تمويل المدارس والمراكز الطبية وفرص كسب الرزق. ويبدو أن الانخراط في تعزيز الاندماج أقلّ أهمية، حيث يُعتبر الدعم الذي تقدّمه الحكومة السويسرية والمجتمع المدني كافياً بشكل عامّ للوافدين السوريين الجدد في سويسرا.

ورغم الجهود التي بُذِلت في السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات؛ فإن التشبيك والتعاون بين مجموعات المغتربين والتسييس والاستقطاب وانعدام الثقة تشكّل جميعها حجر عثرة أمام تطوير الجهود المشتركة نحو إعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن التقريب بين المشهد التنظيمي وإعطاء مزيد من الاهتمام للمبادرات طويلة الأجل، مع اندماج المواطنين السوريين في مشاريع تعزيز السلام وإعادة الإعمار، سيؤدي بلا شكّ إلى تطوّرات مستقبليّة إيجابيّة في البلد الأمّ.

 

خاتمة

يعكس السوريون في أوروبا الحالة السورية إلى حدّ ما، وقد أضحى تباينهم أكثر وضوحاً بعد عام 2011، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجوانب أخرى. وفي جميع البلدان، كان الشتات السوري قبل الصراع يلتفّ بشكل أساسي حول المجال الاجتماعي الثقافي، ويميل إلى تجنُّب الأبعاد السياسيّة. كما كان بعض السوريين من خلفيات أقلّوية يميلون إلى ربط أنفسهم بمجموعات عرقيّة أو دينيّة أوسع. ومع قمع الحكومة للسوريين، ومنعهم من التعبئة السياسية خُلِقَ نوع من التنافر والابتعاد عن التضامن بين السوريين في أوروبا، وأصبح ذلك عائقاً كبيراً أمام أيّ عمل جماعي مُنظّم قائم على الهوية الوطنية السورية.

يمكن اعتبار الثورة السورية في عام 2011 حدثاً مفصلياً أدّى إلى تسييس السوريين في الخارج، وأطلق شرارة عمل جماعي قائم على الهويّة الوطنية، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يضعون أنفسهم في خانة المعارضة لنظام الأسد. وفي حين يمكن اعتبار الثورة بحدّ ذاتها عاملاً مُوحِّداً؛ فإن تصعيد الصراع وتزايد المشاعر القومية والطائفية ونموّ التطرّف على الأرض في سوريا قد ترك أثره أيضاً على أنماط تعبئة الشتات في أوروبا.

ففي جميع البلدان المُمَثَّلَة في هذا البحث، يتّضح لنا بجلاء أن التوتّرات (السياسية أو العرقية أو الدينية) ذاتها التي أدّت إلى تصعيد الصراع وإدامته في سوريا يتمّ إعادة إنتاجها في الشتات السوري في أوروبا. وتُعتبر هذه الشظايا وديناميات الصراع والانقسامات داخل الشتات السوري عقبات رئيسيّة أمام تعبئة الشتات وإيجاد حلّ للصراع السوري بشكل عامّ. ولا شكّ أن ثمّة مبادرات في مختلف البلدان المشمولة في هذا البحث تحاول معالجة الانقسام المجتمعي والثقافي والسياسي داخل الشتات السوري بهدف بناء مجتمع سوري قوي ومرن في الداخل والخارج. كما تسعى مجموعات الشتات السوري في البلدان المُضيفة مثل ألمانيا والمملكة المتّحدة وفرنسا والدنمارك في الآونة الأخيرة، إلى إيجاد أشكال من التعاون من خلال إنشاء منظّمات شاملة لجمع الموارد والاستجابة بشكل أكثر فعالية لمختلف جوانب الصراع.

لقد تبيّن لنا أن تعبئة الشتات السوري هي عملية ديناميكية للغاية، تميل إلى التفكير إلى حدّ ما في التطورات على الأرض في سوريا. وفي الوقت نفسه، أظهر التقرير أن الدول المُضيفة يمكن أن توفّر مساحة آمنة ومحايدة للتقارب والتأمّل والحوار بين مجموعة متنوِّعة من الجهات الفاعلة في الشتات السوري، مما يُبرِز الدور المُحتمل للمغتربين كعوامل للتغيير والسلام.

وتُظهِر طموحات المغترب السوري المفصّلة ودوافعه في هذا البحث أن ثمّة رغبة قوية بالمساهمة في إحلال السلام وإعادة الإعمار في البلاد. وتشير النتائج أيضاً إلى وجود رغبة قوية في العودة إلى سوريا، خاصة بين أولئك الذين هاجروا مُؤخّراً إلى أوروبا، على أنه، في هذه المرحلة من الصراع، لا يُنظَر إلى العودة الواسعة النطاق وإعادة الاندماج المُستدام باعتبارها خياراً قابلاً للتطبيق في القريب العاجل. ولذلك يتوجّب تعزيز فرص التكامل (من خلال الوصول إلى دورات اللغات والتعليم وسوق العمل) والثقافة الترحيبية لمن يبحثون عن الحماية في أوروبا.

لقد أظهرت مجموعات الشتات السوري في جميع أنحاء أوروبا، على مدى السنوات الماضية، التزاماً قوياً بالتخفيف من معاناة الشعب السوري، وببناء أساس قوي للتغيير الاجتماعي والتحوّل السياسي، وبتلبية احتياجات القادمين الجدد من سوريا في الدول المضيفة. وبوصف مجموعات الشتات السوري عوامل اجتماعية عابرة للقومية؛ فإنها تلعب دوراً مُهمّاً في مطابقة الموارد عبر الفضاءات وتنمية شبكة المؤسّسات والأفراد الذين يعملون في بيئات الصراع ومراحل ما بعد الصراع. ونظراً للمعرفة الوثيقة بالبلد وإمكانية الوصول إلى شبكات اجتماعية متنوِّعة وارتفاع عتبة الخطر بالنسبة لها؛ فإن مجموعات الشتات السوري قادرة على العمل في مناطق يكون المجتمع الدولي غير قادر أو غير راغب بالعمل فيها. وفي البلد المُضيف، تعمل منظمات الشتات السوري كنقطة اتصال موثوق بها للوافدين الجدد وتقوم بتسهيل تأهيلهم الأوّلي في "الوطن" الجديد.

لقد تفاوتت الفرص السياسية في مختلف الدول التي شملها البحث، ولكن إحدى التحدّيات الرئيسية التي تمّ تحديدها بشكل متكرّر في وجهات مختلفة كانت الافتقار إلى القدرات في المنظّمات التي أُنشئت حديثاً. فمعظم الجمعيات لديها موارد مالية محدودة للغاية، وهي تعتمد على ميزانيات صغيرة أتت في معظم الحالات من مناسبات جمع التبرّعات ومن التبرّعات الفردية. ومع وجود عدد قليل جداً من المانحين، وعدم وجود أموال كافية، ووصول كميّات مالية غير منتظمة إلى حدٍّ كبير؛ فمن المفهوم أن يكون ثمّة صعوبة متزايدة في توسيع نطاق الأنشطة وتنفيذ خطط عمل طويلة الأجل.

إنّ غياب التخطيط الاستراتيجي بسبب انعدام الأمن التمويلي واضح أيضاً في حالة المنظمات الراسخة والمهنية والمؤسّسية، والتي لديها موارد كافية للأنشطة المباشرة، ولكنها تميل إلى عدم وجود التمويل الأساسي الهيكلي، بالنظر إلى طبيعة التمويل القائم على المشاريع والمخطّطات.

أخيراً، تجد بعض المنظّمات تحدياً كبيراً في فقدان رأس المال البشري، والشعور العامّ باليأس والإحباط وخيبة الأمل، ما خفّف من حماس كثير من السوريين لاتخاذ إجراءات حقيقيّة، حيث يُنظر إلى مصير بلادهم باعتباره أمراً مرهوناً بإرادة غير السوريين أنفسهم. وتتفاقم بالتالي الصعوبة في تعبئة السوريين من أجل العمل الجماعيّ بسبب عدم الثقة والتشرذم العامّ الذي ما زال يميّز العلاقات بين السوريين في الخارج، إلى جانب نقص ثقافة المجتمع المدني والتطوّع، وانعدام التجربة الديمقراطية في سوريا.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.